سألتها عن النجاح ..
فأجابت ..
كم أحب النجاح
ليتك تعرف العلاقة بيني و بين النجاح
و حين ابتسمتُ
..قالت ..
و هل تريد أن تعرف النجاح ؟
أجبتها ضاحكا ..
و هل ستعرفينني عليه ؟
هل يُحبك النجاح كما تحبينه؟
..
ساد السكوت
و رمقتني بنظرة حادة
كلها ثقة ..
و خاطبتني بصوتها الغني بالضجيج
..ساُحاول أن اُعرفك بالنجاح ..
و أرتب لكما موعدا معا إن شاء الله
..
أجبتُ في دهشتي
ربما تعرفين شخصا يحمل اسم '' نجاح '' ..
أليس كذلك ؟
أجابت : لا...لا أعرف
فقلت في سخرية : إذن فأنت مجنونة
أخفضت رأسها ..
ثم أجابتني
سأتجاوز لك هذه الإهانة
أحمّر وجهها الأبيض
و تبدل صوتها الرقيق
شعرتُ بالخجل ..
تمنيتُ لو أستطيع سحب كلامي
فكرتُ قليلا ..ثم قلت
أين الإهانة؟
ألست تقولين كلاما غامضا ؟
أنا آسف و لكن ..لقد ..
قاطعتني و قالت ..
أعدك أن تتعرف على النجاح
تحلى بالشجاعة فقط
..
سألتــُها التوضيح
قالت : ..النجاح جميل ..
..و رائع ..
و كل واحد فينا عرف النجاح يوما ..
و لكن قليلون هم الذين أحسوا بطعمه
و قليلون جدا هم الذين أحبوه ..
و أحبهم ..
.. عندئذ فهمتُ ما قصدت ..
فضحكتُ ...و ضَحِكـَـتْ ..
قلتُ لها
أنتِ فريدة ٌ من نوعك ..
فقالتْ على الفور..و لهذا يُحبني النجاح
.. لكي يُحبكَ النجاح ..اصنع شيئا فريدا
كن غريبا
حاول أن تكون في الريادة ..
و لن يخذلك النجاح..
رفـَعَتْ رأسها ..و أنزلت النظارات قليلا عن عينيها
رقص بريق ساطع في عينيها
أمسكت طرف النظارة بإصبعيها
و أرسلت ابتسامة وردية
قالت ..
لماذا تسأل عن النجاح ؟
..
كانت إجابتي خجولة
و مترددة جدا ..
أريد أن أكون ناجحا ..
مثلكِ تماما ...
يا أختي العزيزة
...
أريد أن أكون مثلك ..أستاذا لامعا
يحبني كل طلابي
والدا مثابرا...إن شاء الله
لا ينقص شيء أولادي
مفكرا عبقريا ..
يحب جميع الناس كلامي
و يطلبون نصيحتي
فقالت ..
إذن ضع أمامك قدوة
فقلت : بمن اقتديتِ أنتِ؟
قالت : بوالدي ..
تعجبتُ .. و كيف استطعتِ ذلك ؟
والدنا رجل و مقتدر
و أنت امرأة ..محدودة القدرات
ابتسمتْ ..أخي العزيز
لا تستهن بالمرأة
لأن المرأة ليست كائنا عاجزا
ثم إن المرأة إن لن تتجاوز حدودها في المجتمع
فسيحفظ لها المجتمع قيمتها ..
ثم أضافت ..
أوتعرف يا أخي العزيز؟
إذا أردت الإقتداء بشخص ما ..
لا يهم من يكون ..
المهم أن تحب ما فيه
أن تعرف كيف تصل إلى ما وصل له
تعرّف على شخص ناجح
اختلط به
اعرف كل ما وصل إليه
و كيف وصل
و لكي تنجح ..
عليك فقط أن تقوم بتقليده
و تجاوز بعض الأخطاء التي من الممكن أن يكون قد وقع فيها
فكرتُ هنيهة ....ثم هنيهة ..
حاولت جمع كل أسئلتي ..
فقد كانت كلماتها ألغازا في قالب نصائح
..
بقيتْ تنظرُ إليّ مباشرة
و كأنها تنتظر رد فعل مني
قالت في هدوء
و كأنها تهمس بسر خطير
.... إذا تحليت بالإرادة
و عرفت كيف تنبع الخطوات التي رسمتـُها لك
سيأتي إليك النجاح
و ربما دون أن تتوقع
يمنحك مواعيد أخرى
و أنا متأكدة أنك سوف تحبه كثيرا ..
و أشارت بعينيها ..
هل توافقني يا أخي ؟
فقلت : عليّ أن أجد ذلك الشخص الناجح
و أقتدي به ..
أرسلت ضحكة سريعة ..
أردفتها بسعال مصطنع ..
أحم...أحم ..
أنا هنا منذ مدة....ربما لم تلاحظ وجودي ؟
أحم ....أحم..
صحت فيها ..
هذا مستحيل ...
أنتِ شخص صعب جدا ..
لقد تكبدت عناءا ..لن أحتمله ..
لقد كنتِ الأولى في صفك ..
ثم دخلت الجامعة
و كنتِ الأولى في تخصصك أيضا ..
و لم تتوقفي عند حدود الشهادات الجامعية ..
تخطيتِ الماجستير ..
و الدكتوراه ..
اشتغلتِ في عدة مناصب
أستاذة ....مديرة ...
موجهة تربوية ..
كيف تريدين أن أفعل كل هذا ؟
أريد شخصا حقق النجاح بطريقة أسهل
أو ناجحا قليلا فقط ..
عادت برأسها إلى الخلف ..
و قطبت حاجبيها
و في دهشتها قالت ..
ما رأيك بالنملة ...بل في النحلة ..؟
ضحكتُ و قلتُ ..
ما شأني بهما ..
لا أٍيد أن يكونا قدوتي ..
.. أجابت ..
لا...لا أريد أن تقتدي بهما ..
بل أن تتعلم منهما ..
المثابرة ...الإرادة ..
الكفاح ..
مثلا قصة الصرصور و النملة ..
النتيجة أن الصرصور يأكل في الشتاء ..بما تجود النملة
رغم أنه غنى طوال الصيف ..
في حين أن النملة تعبت ..و لم تغن ..و اقتسمت معه الطعام
و لكن الفرق شاسع بينهما ..
..
وظيفة الصرصور في هذه الحياة تقتصر على الغناء ..
الذي لا يحبه الناس
و صوته دائما يكون سببا في كشف مكانه و التسبب في موته
.. أما النملة ..وظيفتها أكبر من ذلك بكثير
فقلتُ حقــًا؟ ...ما وظيفتها ؟
أن تأكل و تجود ...؟
أجابتني ببرودة ..
أن تُعلم الإنسان ..
أدهشتني تلك الإجابة
لماذا لم أفكر في إجابة مماثلة ..
كيف غابت عني ..؟
ثم قامت وقالت :
لنتعلم يا أخي العزيز
و لنضرب موعدا مع النجاح ..