كنت جالسا مع أصحابي في المقهى عندما أخبروني بإقتراب موعد شهر رمضان ، فأسرعت للبيت حتى أتفقد شاشة التلفاز و أشاهد إعلانات البرامج التي سيبثونها في شهر رمضان ، و المسلسلات الجديدة التي تعرض لأول مرة ..وهذا بحكم العادة طبعا ،حيث أننا تعودنا في كل عام بإعلانات مغرية جدا عن برامج الشهر الكريم ، وفي الحقيقة الإعلانات التي يبثونها قبل الشهر أفضل من البرامج نفسها ، حيث أنها تجعل لعاب المشاهد يسيل و تحدث له افرازات متنوعة ... وغير ذلك من علامات الإثارة و الأغراء ..ههه... و بطبيعة الحال تعودنا على نفس الوجوه الرمضانية فتجد الناس ينتظرون جديد الممثل يحي الفخراني والممثلة إلهام شاهين بالنسبة للمسلسلات المصرية ، و الجزء الجديد لمسلسل باب الحارة بالنسبة للدراما السورية ، أما بالنسبة للدعاة الإسلاميين فطبعا عمرو خالد على رأس القائمة ومعه مصطفى حسني و عائض القرني و الذي أسر قلوب الشباب الشيخ العريفي ..وغيرهم ..
المشكل أنني حين وصلت للبيت وجدت أن أخوتي قد سبقوني للتلفاز من اجل نفس الغرض وهو مشاهدة الإعلانات الرمضانية.. فكان بعضهم يشاهدون اعلانات الدراما والبعض الآخر ينتظر الدعاة على قناة اقرأ ..و البعض ينتظر طيور الجنة . استغللت فرصة جلوس أختي امام التلفاز وقلت لها ما رايك لو نرى برامج القناة الفلانية ، ثم أقترحت عليها قناة أخرى ..ثم قناة غيرها ..وغيرها ...حتى إلتفتت لي بجزع وسالتني إن كنت سأتابع كل هذه البرامج في قنوات مختلفة ..أقسمت لها أنني لن أتابع أي برنامج منهم ..في الحقيقة أحب فقط مشاهدة الإعلانات المغرية عن البرامج ..أما البرامج فلا تهمني خاصة المسلسلات ..وطبعا البنات لا يقبلن أن تهين لهم الدراما ..راحت تدافع المسكينة عن الدراما ..وحين سألتها عن الهدف منها قالت ((المسلسلات تنقل لنا الواقع ))..مما جعلني أتساءل إن كان مفهوم كلمة الواقع هو نفسه بالنسبة لكلينا ..طبعا لا ..ثم تساءلت ..لماذا نسمي من ينقلون الواقع الذي تتحدث عنه لنا في المسلسلات بالممثلين ..ربما لا نتفق على مفهوم التمثيل أيضا ..ربما يجدر بي متابعة برنامج عن المفاهيم ..
المسلسلات تنقل الواقع؟؟؟ ..جملة مثيرة للإهتمام .. لم أناقش أختي في الموضوع طبعا بحكم أنني أقسمت على عدم خوض نقاش مع أي شخص يحمل جنسية عربية طالما حييت ..صعدت على سطح المنزل لأنني أجد راحتي فوق البيت .. و رحت أفكر في كلامها .. كيف أن المسلسلات تنقل الواقع ؟؟..لماذا لم ينقلوا لنا مثلا في أي عمل درامي سابق واقعا مريرا نعيشه ..ضحكت على نفسي ..طبعا لن يقبل أي ممثل بأن ينقل لنا مشهدا مثل هذا ..أو ربما أنا اتحدث عن منطق تافه ..هم ينقلون واقعا أكبر ..سيارات و فيلات و قصص حب و طلاق ..هذا هو الواقع ..أليس كذلك ؟؟ ..وكأن كل الناس يعانون من سيارتهم .. الواقع أنهم لا يملكون سيارات ..أما إن كانوا يملكونها فأظن أن الواقع أنهم يفكرون في مصاريفها من بنزين و تأمين والصيانة الباهضة ..أما الفيلات فهي ليست مشكلة من الواقع .. لاأذكر أنني رأيت فيلا في بلدتنا ..كما أن الفيلات ليست مشكلا لنعالجه في الواقع ..أما قضايا الحب و الطلاق فهي السر في نجاح بعض أعمالهم ..فليس هناك عمل يخلو من وقفة الممثل وهو يقول : انتي طالق ..و الممثلة : يا لهوي ..عايز ايه ..انتي بتحبيني ..؟؟ ..وغيرها من العبارات التي من المستحيل أن لا يحتويها اي مسلسل مصري أبدا ..
أفكر لو أن هذه الأعمال جاءت في غير رمضان ..أكيد أنها كانت لتفشل ..الناس يتابعون التلفاز في رمضان أكثر ..أذكر أنني في رمضان السابق لم أجد مكانا في المسجد لكثرة المصلين في كل الأوقات ..ولم أجد وقتا لأجلس للتلفاز لكثرة جلوس اخوتي أمام التلفاز ..وطبعا لآ أشاهد التلفاز مع اخوتي لحساسية المواقف ..رمضان رمضان و تأتي لقطة في المسلسل تتحدث عن الحب و هذه الأمور ...أم مثلا تسمع لخطبة داعية ثم تسمعه يقول: لا حياء في الدين ..وبعدها يفتح الطريق للكلام دون حدود ..حتى اتمنى انو يكون هناك حياء في الدين ..بل ممنوعات ..يا أخي ماذا تقول ؟؟؟ ..لالالا..لن أجالس أخوتي أمام التلفاز أبدا .. و المشكل أن أي مكان تقصده تجد فيه الزحمة ..على وزن رمضان الرحمة ..و الزحمة ..ثم أيضا تذكرت شعار أحد القنوات وهي تعمل إعلان ..رمضان يجمعنا ...فعلا رمضان يجمعنا ..يا أخي ابدعوا حقا من يصنعون شعارات الإعلانات الرمضانية..
نزلت من سطح المنزل و أنا أفكر في رمضان السابق ..أتذكر أيضا ان صلاة التراويح كانت في اوج نشاطها في الخمسة عشر يوما الآولى ..ثم صار الناس لا يكملون الصلاة ..صاروا يملون و يهربون بعد صلاة العشاء ..ثم عادوا في العشر الأواخر ..وهم في نشاط كبير ..وهمة عالية ..وبعد العيد لم أرى أي شخص منهم ..حتى اليوم .. طبعا الجمعة يحضر فيها نصفهم ..ربما المشكل في الأئمة أثناء التراويح ..هم يشعروننا بالملل ..ربما لأنهم يحظرون دروسهم التي يلقونها قبل التراويح وهم يقابلون شاشة التلفاز و أمام واقع درامي مصري ...أما صلاة التراويح فهم يحرصون على الختم أكثر من التلاوة الصحيحة ..
فكرت في أن أقوم بحملات رمضانية من نفسي ..من اجل الشباب المسلم ..حرام الطاقة الشبابية ألإسلامية تذهب هدرا في المسلسلات و الخطب المؤقتة ..الأحسن أن نقوم بمشروع جماعي ..يستفيد منه الجميع ..خاصة و أن المشروع يكون على أيدي شباب مسلمين .. لكن الشباب لن يستمعوا لي بسهولة .. أحم أحم ..أنا واثق من اسلوبي الناجح جدا في الإقناع ..رجعت إلى المقهى الذي تركت فيه أصحابي ..وقلت لهم مارأيكم في مشاريع رمضانية لهذا العام ؟؟ ..وقبل أن أكمل حديثي المقنع كان الكل يعتذر لأنهم تأروا عن المنزل أو عن موعد آخر .. و ضربنا موعدا للقاء في رمضان بعد الفطور ..السهرة يعني ..استغربت من مواعيهم ..مازال على رمضان اكثر من عشر أيام ..يمكن ان نلتقي فيها ..لكنني انتبهت للشعار الذي يقول ..رمضان يجمعنا ...حقا ...رمضان يجمعنا ...