وقفت غير بعيد من المسجد فرأيت وجوها نيرة ساطعة بالنور تخرج منه ، كان وقت العصر و الناس مستعدين لقضاء بقية النهار ، و أحسن ما يمكن أن تراه العين ذلك الوقت هو شكل المصلين خارجين من المسجد ..هناك كنت واقفا أتأمل روعه خلق الله المطيعين له ،وهم يحملون أحذيتهم و نعالهم منصرفين ، تذكرت وجه كل واحد منهم ، خاصة المواضبين ، سلم علي العديد من الشباب الذين كانوا يبتسمون في وجهي فأرد لهم بإبتسامة تعبر عن الحبي الشديد و اعتزازي بما أرى من المسلمين ..
لعل ما يميز العديد منهم تلك الزبيبة المرتسمة على جباههم ، و التي كنت حين أراها في كل واحد منهم أتذكر آخر آية من سورة الفتح : " محمد رسول الله و الذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله و رضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود .." ، آه ...ما أجملها من آية تصف ما أرى الآن ، علامة الصلاة مرتسمة في جبهة كل واحد من هؤلاء الشبان البررة و المواضبين ، عرفت أنها بالفعل علامة المواضبة على الصلاة من خلال رؤيتي للعلامة على الذين يقومون لصلاة الفجر فقط ، فرحت ألتمس جبهتي لأتفقد العلامة التي رسمت و ترسم فقط أثناء مواضبتي على قيام صلاة الفجر ..و بها فقط تتميز شوارعنا بأنها لدولة و أمة مسلمة ، فبعض الشباب اليوم يلبس قميص مرسوم عليه علم أمريكا و انجلترا و البرازيل ، فلا يظهر في الشارع أننا في دولة مسلمة إلا بعد التكلم مع الناس أو رؤية علامة الصلاة في الوجوه المنيرة للشباب و الحجاب الأصيل للفتيات المسلمات ..
قال أحدهم و أدعوا الله أن يهديه : " إن التقصير في اللباس ووضع اللحية و سمة السجود على الجباه و كذا الحجاب من علامات النفاق .." لماذا؟ ..لأنها مظاهر كما يدعي ، و رياء و فخر بأنني مسلم ..تخيلوا ...تصوروا الدناءة التي وصلت به لإتهام الشباب المسلم بالنفاق ، و كأنه نظر إلى قلوبهم أو أنه يملك مفاتيح الجنة ..
تحضرني قصة لأحد الصالحين قديما ، كان يهم بالنوم و بينما هو كذلك هتف عليه هاتف من وراء الجبل أن قم و أدعوا الناس للإسلام بالكنيسة ، فلم يقم للمرة الأولى و ظن أنه يحلم ، و بعد مدة تكرر ذلك الهتاف ، فقام مفزوعا و توضأ و صلى ركعتين ثم توجه للكنيسة ، و حين وصل عند الباب قال له الراهب قف عندك ، أنت من أصحاب محمد ..فقد رسمت على وجهك علامة السجود ، فلم ينكر العبد الصالح ذلك ، فقال له ادخل و لكن بشرط أن تجيب على 10 اسئلة أطرحها عليك ..فما رأيك ؟ ..أجاب العبد الصالح أنه موافق و هذا لثقته بالله و بنفسه ..و هذا هو العبد المؤمن ..
سأله من هو الأول الذي لا ثاني له فقال الله و عن الثاني الذي لا ثالث له فقال آدم وحواء و عن الثلاثة الذين لا رابع لهم و عن الأربعة الذين لا خامس لهم و عن و عن ..حتى أكمل العشرة ..فأجاب كل الأجوبة صحيحة رغم أنها ذكرت في التوراة و الإنجيل و كذا الإسلام ..و كان الراهب يحفظ الإنجيل الصحيح السري و الأصلي فقط ، فقبل أن يبقى معهم في الكنيسة لأنه نجح في الإجابة ..و لكن العبد الصالح قال له : لن أبقى حتى تجيب على سؤال واحد فقط ، فقبل الراهب التحدي لأنه لا يجوز أن يغلبهم المسلم في دارهم كما كانوا يضنون ، و أمام ذلك الحشد الهائل من المسيحيين ، سأل الراهب : ما هو مفتاح الجنة ؟ ..
سكت الراهب و لم يجب ، استغرب المسيحيون في الكنيسة ذلك ، و قالوا مابك يا أبانا ..ألا تعرف الإجابة ؟ قال لا بل أعرفها و لكن أخاف إن قلتها أن تنقلب الكنيسة على رأسي لأن مفتاح الجنة ذكر في الكتب السماوية كلها ، فقالوا ما الجواب يا أبانا ، فأجاب : مفتاح الجنة لا إله إلا الله محمد رسول الله ..
سبحان الله يا أخي القارئ ، كيف نتهم بعضنا بالنفاق و الله قادر على أن يهدي من يشاء ، و ركز معي أخي القارئ ، يقول المولى عز و جل : " إنك لا تهدي من أحببت و لكن الله يهدي من يشاء .." و من يشاء هنا لا تعود على الله كما يعتقد العديد من الناس ، و إنما تعود على من يشاء او يريد أي أن الله يهدي من يريد الهداية ..فنسأل الله الهداية ..
و في ذات يوم و بينما أكملنا الصلاة بالإقامة الجامعية بالبليدة و كنت أنا المؤذن و الإمام يومها ، جاء أحد الشباب إلي يطلب المشورة ، فقلت له لست إلا طالب علم و لا يمكنني أن اشير عليك ، و لكن يمكنني أن اقدم لك النصيحة إن استطعت ، فقال لي أريد أن أهتدي ، استغربت السؤال و هذا النوع من المشورة ، ثم قلت له كما قال الشيخ الغزالي ، ما سألت عنه عظيم ، اذهب و توضأ ثم صلي ركعتين ، بعدها أخرج إلى مكان منعزل و ارفع راسك للسماء و تفكر في خلق الله ، انظر إلى لون السماء ..لا يهم إن كان ليلا أو نهارا ..أنظر إلى النجوم و تمعن بها ، أنظر إلى القمر ، إلى الغيوم ، حاول التدبر فيها ، و قل كل مرة تحتار فيها من شيء سبحان الله ، أمكث ساعة أو أقل من الزمن ثم ارفع يديك و اسأل الله الهداية ، بعدها تتيقن بوجود الله و يهديك الله بإذنه ..
رجاءا يا أخوتي أردت في هذه الأسطر ان أنصح كل شاب و فتاة ، كل مسلم و مسلمة ، رجاءا لا تحطموا عزيمة أخوانكم ممن يريدون الهداية ، لا تقولوا لهم انتم منافقون أو تسيؤوا لهم ..احفظوا عهدكم مع الله بحماية الدين و نصرته ، واضبوا على الصلاة ، و على النجاح في الدراسة و على عدم مخالفة المواعيد ...رجاءا ..
الرجاء أن تدعوا لي بالتوفيق في الدراسة و السلام عليكم