هو ذا المستقبل يطلب التخطيط ..وهاهي الأماني تطلب التحقيق، هو ذا لاصبر يمذ لنا يد العون ، هي ذي حياتنا تعدنا بأن تبتسم لنا و لكن ليس اليوم ..
خرج أحد الفقراء يوما في الصباح الباكر من كوخه الصغير ، بعد أن غطى أبناءه الصغار جيدا ..محاولا أن يجد لهم قوتا يقتاتون به لهذا اليوم ، خرج للغابة يحمل فأسا و حبلا قصيرا ، ملابسه بيضاء بها بعض الرقع المختلفة الألوان ..شعره أسود طويل لحيته قصيرة لكنها ليست شديدة السواد، وجهه أبيض يميل للسمورة ، طويل و لكنه نحيل ..عيناه تحملان أملا كبيرا كل يوم ، و تحتملان تعبا مضنيا كل ساعة ..ولعل اليوم يختلف ..
سار للغابة و توغل بها ، و هو يحدث نفسه مؤنسا إياها ، و كأنه يخاطب حياته و فقره ، و لكن لم يتوقع أنّ هناك من يسمعه ، كانت الطيور سباقة لنقل كلامه للسيدة حياة ،فاعترضت طريقه و حواره وأرادت أن تعرف ماذا يقول ..فحاورها بطريقة هادئة دافئة دفئ الغروب وحاورته بكلمات عذبة تشفي فضوله مثل المياه تشفي العطش و لا تنهيه ..
قال في حزن : ننتظر إبتسامتك يا دنيا ، لكنك دائما غاضبة ..حزينة ..تنظرين إلينا بطريقة غريبة ..لماذا هذا الغضب إن كنت تعديننا بأن تضحكي في يوم ما ؟ ..لماذا لا تختصرين علينا الطريق فقط ؟ لماذا تشترطين علينا أن نبكي حتى تضحكينا ؟
أجابته السيدة حياة : سؤالك يحمل الإجابة ..فأنت لن تستطيع الإحساس بحلاوة الضحك إن لم تكن قد بكيت ،ولن تستمتع مالم تجرب الصبر.
الفقير : الصبر ؟ و ما الصبر ؟ كيف أصبر؟ وعلام أصبر؟
السيدة حياة : إن مع العسر يسرا ، كما أن مع الشقاء راحة وهناء ، إذا منحت كل ما تريد فلن تشعر بالسعادة ، عليك دفع ثمن أي شيء حتى ثمن الراحة ، حتى لا يؤنبك ضميرك ولا تتذمر منك جوارحك ...ثمن الراحة بسيط ، بعض الدموع أو حبات عرق ، و ستأخذ حقك كاملا ..
الفقير : و ما حقي يا سيدتي حياة ؟ كيف آخذ حقي ؟
السيدة حياة : حقك هو ما قسمه الله لك من رزق حلال ، و لكي تناله عليك أن تقنع بما كتب لك و قسم لك ، و عليك الجهاد لدفع بعض الضرائب البسيطة التي قد تراها كبيرة ..
الفقير : و لكن ...ماذا لو تعبت ؟ ماذا لولم أستطع الثبات و إكمال الطريق ؟ أليس هناك من يساعدني ؟
السيدة حياة : بلى ...صاحب الصبر، سيساعدك .هو دائم الحضور ..
الفقير : أين أجد الصبر؟ ..كيف اصل إليه ؟
السيدة حياة : الصبر..، يولد مع كل شخص ..هو توأم له ..يكبر معه و يتدرب معه على المشاق ، ..إنه يمسك بيدك رافعا إياك و أنت مغمض عينيك ..يبتسم لك حين يغضب الجميع ..
لكنه لا يساندك إلا إذا وفيت له ، إلا إذا طلبت منه يد العون ، تجده بقربك إذا كنت منه قريبا ، و يطلب منك شيئا واحدا فقط ..إذا اعطيته له يمنحك كل ما تتمنى ..
الفقير : ما طلبه ؟ ماذا يحتاج الصبر؟
السيدة حياة : إن الصبر مغرم بفتاة صعبة المراس ، إسمها المسؤولية ..إذا تحليت بروح المسؤولية و زوجتها بالصبر فسيرد لك الجميل بأن ييسر لك كل عسير ، يخضع و يذل لك كل العقبات التي قد تعترضك ..
الفقير : و ما المسؤولية ؟ كيف أجدها ؟
السيدة حياة : المسؤولية دائما بعيدة ..لا تطلبها فهي ستأتي إليك ، هي فتاة صعبة المراس ، قوية و ثقيلة إذا أردت نقلها من مكانها إلى المكان الذي تريده هي ..و لكن ما أن توصلها تمنحك نفسها و حريتها عندها يمكنك منحها للصبر، ليعطيك هذا الخير مفتاحا ذهبيا لباب ضل موصدا في وجهك و ووجه العديد غيرك منذ زمن ..باب اليسر و الفرح .
صحيح أنها صعبة كثيرة و طريق إيصالها مليئة بالشوك و المشاكل و لكن قد يعينك عليها الإرادة ..
الفقير : آه ...يا سيدة حياة ...لا أعتقد أنني أستطيع تذكر كل هؤلاء ..فما الأرادة أيضا ؟
السيدة حياة : أما الإرادة فهي تختلف من شخص لآخر ، لا أحد يعرفها غيرك ، لا أحد يراها غيرك ، تناديك كل حين و يساعدك صوت ندائها على معرفة السبيل إليها ..و لكن إذا لم تستجب لها ستغضب و تنصرف عنك ..
الفقير : ماذا افعل إن انصرفت عني ؟
السيدة حياة : استشر نفسك ، اعرف أخطاءك ..استدركها فإن استعصت فاعلم أنها ليست هي الإرادة المنشودة ، اعرف أنها ليست الخاصة بك بل هي لشخص آخر ، و استبدلها قلب فوات الأوان ..
الفقير : هل سيرافقني الصبر طوال مشواري ؟
السيدة حياة : أي نعم ..و إلى الأبد ..فقط كن له وفيا ..
الفقير : أخاف من المسؤولية و لا أعرف الصبر ..أما الإرادة فلا أضمن وجودها ، ناهيك على أنني شخص ضعيف ، لماذا يا سيدة حياة ؟ لماذا كل هذا التعب ؟ ألا يمكنك منحي السعادة مباشرة ؟..
السيدة حياة : هه..تتحدث إليّ و كأنه بإمكاني منحك السعادة و بخلت عليك بها ، إنما السعادة و الشقاء من قسمتك ، و لا أحد يملك منحها أو منعها سوى من خلقها ، فإن أخلصت نلت ، و إن كنت متواكلا كسولا خسرت كل شيء ..
الفقير : أعتقد أنك تخفين شيئا عني يا سيدة حياة ؟
السيدة حياة : لا ..إنما أنا أقول كلاما قد يكون غامضا ..فكما لا تستطيع وضع مياه البحر في حفرة صغيرة لا يمكنني وضع معلومات كهذه في عقلك البسيط ..عليك بالعبادة ..
الفقير : العبادة ؟أنا اطيع أوامر الله و أجتنب نواهيه..
السيدة حياة : إذن أخلص في ذلك ..اعمل من أجل رضى الله و ليس لرضى الناس ..فمن أرضى الله بسخط الناس رضي الله و رضي الناس ، و من أرضى الناس بغضب الله غضب الله و غضب الناس ..
الفقير : علميني يا حياة ..أرجوك يا سيدتي علميني ..
السيدة حياة : أعدك أن أعلمك ..لكن دروسي قاسية ..
بقلم محمد توفيق صابر
أولاد يعيش / البليدة يوم 08/03/2008