بينما كنت أجالس نفسي في حديقة هادئة بالمدينة ..تذكرت العديد من الأمور ..بعض الأمور التي أحبها و الكثير من الوقائع التي تؤلمني ..لكنني كنت أتحدث إلى ضميري فأجده غير مبال بي و بما أمر به ..و كأنه يتبرأ مني ..صرت أخاف منه، و أخاف التحدث إليه ..ضميري صار حاد الطباع ،صار قاسيا معي جدا ..غير متسامح و لا مؤازر ..و كأنه صار لا يرغب في مصادقتي ، بل و لا الحديث معي ..ربما أغضبته ؟ لكنني لا أذكر أنني فعلت ..
من عادتي أنني حين أرغب في محادثة نفسي أرمي بنفسي على الفراش ..أرقد على كتفي شمالا ..و أستغرق في التفكير ..وبين الفينة و الأخرى أجدني أفكر بالصوت ..أجد نفسي أصرخ مثلا ..أو أقول لالالالالالالالالا...لهذا لا أحبذ أن أفكر و معي شخص في نفس الغرفة ..ولكنني لاحظت شيئا غريبا ..وهو أنني أثناء التفكير لا أبقى في حيز واحد ..مثلا ..أفكر في مشكل مع صديقي ..فأجدني بعد مدة أفكر في موقف مغاير تماما ..أو مشاريع مختلفة ..ولا أخرج بنتيجة غالبا ..ربما هذا هو سبب غضب ضميري مني ..لأنني أطرح عليه مشكلا ..ثم أنصرف عنه و لا آخذ مشورته ..بل أنتقل لموضوع آخر دون إذن منه..لا..لست متأكدا من أن يكون هذا هو السبب ..
أتذكر جيدا أنني في الصغر كنت أخاف من الظلام ..كنت أحب أن أنام في غرفة مضيئة ليلا ..ولكن هذا الطلب لم يكن يتلقى أي استجابة في بيتنا ..كان أبي يغضب مني ..بل ويحرص على أن تكون كل الأجهزة الكهربائية مغلقة قبل نومه ..عنده عائلة كبيرة ..وليس قادرا على تحمل تكاليف ليلية أيضا ..لكنه المسكين كان ينام بقربي أحيانا ..أو ينادي أمي لتنام معي أحيانا حتى يذهب الخوف عني ..و شيئا فشيئا صرت مغرما بالنوم وحدي في الظلام ..لأنني فقط في تلك اللحظة أستطيع التفكير بهدوء كبير ..بدون تشويش أمامي ..كل شيء أسود ..الصورة صافية ..لست مضطرا لإغماض عيني حتى أفكر ..و أستطيع مخاطبة ضميري طوال الليل و لو بالإشارات ..لا أحد سينتبه و يستغرب ..أعني أنني لو تذكرت شيئا محرجا و أردت دس رأسي تحت الوسادة فلن ينظر لي شخص باستغراب ..طبعا من يتذكر أحيانا مواقف محرجة يفهم قصدي الآن ..ولكن ليس على المرء التفكير كثيرا في الليل ..لأنه سينقلب إلى وسواس خطير جدا ...
أغلب المشاريع التي تأتي في رأسي تهاجمني ليلا ..تنقض عليّ بقوة ..فأهاجمها بقوة أكبر و أنظمها ..أضعها حيث يفترض بها أن تكون ..ليس هناك شيء أتحكم فيه أكثر من أفكاري ..ولكن أحيانا أكون متعبا ..و حين تأتي في تلك الأثناء أفكار جهنمية متميزة أنصرف للنوم عنها ..
أذكر أنني منذ زمن غير بعيد ..حين كنت في مرحلة حرجة قليلا من المراهقة كنت أحلم متيقظا قبل النوم ..يصطلحون عليها بأحلام اليقظة ..و لكنني افضل مصطلح أوهام اليقظة ..لأن الأمور التي كنت أحلم بها مستحيلة الحدوث ..و كأنني كنت أعيش حياة أخرى ..بدون مشاكل و بقوة كبيرة ..و نفوذ قوي ..يعني حياة ولا أروع ..
لا أخفي أنني ألجأ لتلك الأوهام أحيانا في الزمن الحاضر ..لكن ليس بتلك القوة التي كنت فيها من قبل ..فأنا أتوهم أحيانا أنني أكملت الدراسة و ذهبت خارج الوطن ..و عملت هناك وألصق وجهي في بدلة جميلة و أتخيل نفسي عائدا للوطن لأجده تطور قليلا ..أو صار حاله أفضل ..
من المعروف أن القوة تأتي من الضعف ..وهذا ما تأكدت منه مؤخرا ..و لكن لم أجد بعد الطريقة التي أتعامل بها مع هذا المثل جيدا ..ولكن إليكم إثبات عن صحته ..في صغري كنت جبانا ..كنت أخاف من الظلام ..وكنت أخاف من المشاجرات كثيرا ..رغم أنني طنت معروفا بالمشاغبات ..خاصة على مستوى المدرسة ..لكنني كنت أكثر شيء أخافه هو الدم ..ولهذا كنت أهرب من المشاجرات ..رغم أنها كانت أكثر شيء يميز صغرنا و ذكرياتنا ..أما اليوم صرت أتمنى المشاجرات من كل قلبي ..صرت فخورا بقوتي ..بل و أتورط في مشاجرات لا دخل لي بها ..ولكن الحمد لله أنني لا أظلم ...ربما أحيانا ..ولكن مادمت أتورط مع من هم في مثل سني فلا أعتقد أن فيها ظلما ولا شيء ..هو شباب و نمضيه بأحسن ما لدينا ..حتى بأخطائنا ..أيضا كنت على الصعيد العلمي أخاف من اللغات ..أتذكر أنني قلت لعائلتي أنه من المستحيل أن أتعلم غير العربية ..لن أستطيع تعلم لغات أخرى ..و كنت أخاف كثيرا من أستاذ اللغة الفرنسية ..كنت أخاف من حصته ..و لكن من كان يظن أنني سوف أصبح طالب في كلية اللغات ..بل في اللغة الإنجليزية المعروفة بأنها لغة النطق ..يعني لا تعتمد على الكتابة بقدر ما تعتمد النطق و تميزها باللكنات الغريبة و الكثيرة جدا ...و الحمد لله أتقن اللغات التي درستها كما يجب أن اكون ..يعني ..قضية القوة تأتي من الضعف أمر صحيح ..ليس فيه خطأ ..طبعا كل شيء نسبي ..ولكن أنا متأكد من قوتي جاءت من ضعفي ..ولكن ما أسعى لمعرفته هو ..هل الضعف يأتي من القوة ؟؟؟ ..لأن هذا ما يفترض أن يكون من الجانب المنطقي ..علاقة تضاد ..قوة و ضعف ..ربما ..لكني على صعيد تجاربي التي أفتخر بزخارتها و كثرتها رغم صغر سني فإن العلاقة غير صحيحة ..لماذا ؟ سأخبركم ..لو أن الضعف يأتي من القوة لكنت فاشلا الآن في الأمور التي كنت قويا بها منذ الصغر ..لكن هذا غير صحيح ..مثلا ..في صغري كنت أحب دراسة الأمور العلمية أكثر من الأدبية ..ولكن اليوم لست غبيا في الأمور العلمية ..
يتبع ......
موضوع: خواطر شاب في العشرين .. 
الأربعاء أبريل 01, 2009 5:41 am